أما في المعنى فلأنه لا واسطة بين الهدى والضلالة
{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ } .
وإذا كانوا كلهم عن الهدى ناكبين، وفي الضلالة مشتركين، فتخصيص الإشارة بالبعض مع إمكان رجوعها إلى الجميع صريحا تخصيص بغير موجب.
وأما في النظم فلأن تناولها للطائفتين يتم به حسن المقابلة بين الإشارتين في قوله:
{أُولَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى}
:وقوله
{أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ}
ثم به يتم جمال الصنعة في تفريق الأقسام ثم جمعها، ثم تفريقها ثم جمعها. فقد رأيته يفرق الطائفتين في أوصافها الخاصة، ثم يجمعهما في هذا الوصف المشترك.
وستراه يعود إلى تفريقهما في ضرب الأمثال، ثم يجمهما مرة أخرى مع سائر العالم في النداء الآتي:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ } .
2
لعلك ترى هنا شيئا من المخالفة لكلام المفسرين، إذ جعلوا المثلين كليهما راجعين إلى المنافقين خاصة، وجعلناهما موزعين على الطائفتين، نشرا على ترتيب اللف.
ولكنك إذا رجعت بنفسك إلى أجزاء المثلين سترى معنا أن المثل الأول ينطبق تمام الانطباق على الأوصاف التي ذكرها الله للكافرين، وأن الذي ينطبق على صفات المنافقين إنما هو المثل الثاني وحده.