ها نحن أولاء قد عرضنا لك جانبا منتلك العجائب البيانية التي لا تنال مثلها أيدي الناس. وها قد أعطيناك في حاشية كل منها نموذجا صغيرا، يفتح لك الباب إلى احتذائه في سائر القرآن.
فهل ترى في هذا وفاء بما وعدناك، وبما عودناك، من التقفية على آثار التفصيل بشيء من التطبيق والتمثيل؟ أم لا تزال بحاجة إلى المزيد من هذه الأمثلة؟! =المغرورين من المترفين. وعلى الثاني يكون تنبيها على سعة خزائنه وبسطة يده جل شأنه. وعلى الثالث يكون تلويحا للمؤمنين بما سيفتح الله لهم من أبواب النصر والظفر حتى يبدل عسرهم يسرا وفقرهم غنى من حيث لا يظنون.
وعلى الرابع والخامس يكون وعدا للصالحين إما بدخولهم الجنة بغير حساب. وإما بمضاعفة أجورهم أضعافا كثيرة لا يحصرها العد. ومن وقف على علم التأويل واطلع على معترك أفهام العلماء في آية رأى من ذلك العجب العاجب.
سنزيدك. وسنوجه نظرك بنوع خاص إلى دقة التعبير القرآني ومتانة نظمه. وعجيب تصرفه، حتى يؤدي لك المعنى الوافر الثري، في اللفظ القاصد النقي، إذ كانت هذه الخاصة الأولى -من الخواص التي ذكرناها- أحوج إلى التوقيف والإرشاد.
ولا تحسبن أننا سنضرب لك الأمثال بتلك الآيات الكريمة التي وقع اختيار الناس عليها وتواصفوا الإعجاب بها. كقوله تعالى:
{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ } هود: ٤٤ ، وقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ } البقرة: ١٧٩ وأشباههما.
بل نريد أن نجيئك بمثال من عروض القرآن في معنى لا يأبه له الناس ولا يقع اختيارهم على مثله عادة. ليكون دليلا على ما وراءه.